ایکنا

IQNA

جواهر علوية..

فَقْدُ الْوَلَدِ مُحْرِقٌ لِلْكَبِد

22:18 - March 10, 2024
رمز الخبر: 3494921
بيروت ـ إکنا: كل فَقْدٍ يهون على الفاقد، إلا فَقدُ الولد وموته فإنه يُسَجِّر في فؤاد والده ناراً لا تنطفئ، خصوصاً إذا كان الولد قد بلغ مرحلة الشباب وعاني الوالدان في تربيته وإعداده.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "فَقْدُ الْوَلَدِ مُحْرِقٌ لِلْكَبِد"
 
كل فَقْدٍ يهون على الفاقد، إلا فَقدُ الولد وموته فإنه يُسَجِّر في فؤاد والده ناراً لا تنطفئ، خصوصاً إذا كان الولد قد بلغ مرحلة الشباب وعاني الوالدان في تربيته وإعداده، وعاشراه فترة طويلة من العمر، وكانا يؤَمّلان أن يعيش بعدهما حاملاً تراثهما وقيمهما، وخَلَفاً صالحاً لهما يُخَلِّفانه في الحياة الدنيا، بل يواصلان الحياة بحياته، فإذا بالخَلَف ينقطع بموته، وإذا بالآمال التي عقداها على وجوده في الحياة تخيب، فكيف لا تشب نيران الوَجد والفقد في قلب الوالدين، وكيف لهما أن يتخطيا فاجعة موته وانقطاع ما كانا يرجوانه به؟!
 
من أبلغ ما قيلَ في توصيف العلاقة بين الوالدَين والولد ما قاله رسول الله (ص) إذ لم يسبقه إلى ذلك أحد، "إنّ لِكُلِّ شَجَرَةٍ ثَمَرَةً، وثَمَرَةُ القَلبِ الوَلَدُ" وفقد ثمرة القلب يُحرِق القلب، كما تزهو الشجرة بثمارها كذلك تزهو حياة الوالدين بثمرة قلبيهما، وكما لا قيمة للشجرة التي من شأنها أن تثمر ألا تُثمر، كذلك يجد الوالدان ألا قيمة لوجودهما دون إنجاب الولد، والأسوأ بالنسبة إليهما أن يفقداه بعد وجوده، وأن يدفناه في التراب في شبابه.
 
ويقول رسول الله (ص): "أولادُنا أَكبادُنا..." الولد كَبِد والدَيه، وإنما شَبَّهه النبي (ص) بالكَبِد لأنه من أكبر أعضاء البَدن وأهمها، ويقوم بوظائف عديدة ومهمة لسلامة البدن وعافيته، ويزوِّده بمعظم حاجاته من الفيتامينات، فالولد هو القطعة الغالية والمهمة الوالدين، وهو امتدادهما الطبيعي في الحياة، بل هو الحياة ذاتها، ولذا ترى الوالدَين يُضحيان بنفسيهما لأجله، ويفضلان حياته على حياتهما، يسعدهما ما يُسعده، ويحزنهما ما يُحزنه، ويَظلّان قَلِقين عليه ولو بلغ من العُمُرِ عُتِياً، ولا يهنأ لهما عَيشٌ إذا أصابه شيء، أو أَلَمَّ به مَرض.
 
ويقول الإمام أمير المؤمنين (ع) في وصيته لولده الإمام الحسن المجتبى (ع): "وَوَجَدْتُكَ بَعْضِي بَلْ وَجَدْتُكَ كُلِّي حَتَّى كَأَنَّ شَيْئاً لَوْ أَصَابَكَ أَصَابَنِي وَكَأَنَّ الْمَوْتَ لَوْ أَتَاكَ أَتَانِي" فالولد جزء لا يتجَزَّأ من الوالدين، هو بعضهما كما القلب والرأس، والأعضاء بعض بدنهما بل يترَقّى الإمام في التوصيف ليقول إن الولد كل الوالدَين حتى أن كل ما يصيب الولد من مصائب بدينة وروحية، وكل ما يواجهه الولد من أزمات ومصاعب يصيب الوالدَين في الصميم، فإذا ماتَ الولد مات الوالدان، ماتت سعادتهما وسرورهما وحيويتهما ونشاطهما ورغباتهما وآمالهما، وصارت الحياة في نظرهما تافهة لا قيمة لشيء فيها إلا أن يكونا مؤمنين يعيشان الحياة طاعة لله، ويعملان فيها استجابة لأمر الله، ويؤديان فيها تكاليف الله، ولولا ذلك لم يكن لوجودهما بعد فقد الولد معنى، فإنهما يُسَخِّران كل وجودهما لهما، ويسخران كل استثمار في الحياة له، ويكدان ويتعبان ويكدحان لأجله لا لأجلهما، وتكون رغباتهما وطموحاتهما تبعاً لرغباته وطموحاته وفي خدمته.
 
مِمّا سبق نعلم عظمة ما يُقَدِّمه آباء وأمّهات (الشهداء) الأبرار من أبنائهم يُستَشهدون وهم في ريعان الشباب، ونُدرك مرارة الألم في أفئدتهم الشريفة، وندرك عظمة الصبر الذي يتصفون به، إنهم يقدمون لهذا الوطن أغلى ما يملكون، بل يُضَحّون بما هو أغلى من أرواحهم وأنفسهم، فمن يصبر على فَقْد الولد الذي يسقط دفاعاً عن وطنه يصبر على أعظم بلاء يمكن أن يُبتَلى به المرء، وعندما نراهم مبتسمين وهم يتلَقَّون التعازي والمواساة فلا يعني ذلك أن تكون قلوبهم ضاحكة، بل في قلوبهم مرجل يغلي، وسعير يضطرم، ولكنهم رغم ذلك يرضَون بقَدَر الله ويُسَلِّمون لقضائه، ويُقَدِّمون أبناءهم قرابين  لله وفِداءً لوطنهم وأمتهم وذوداً عن دينهم وعقيدتهم.
 
إننا نَعجَز عن الوفاء لآباء (الشهداء) ونَعجَز عن رَدِّ جميلهم، ونَعجز عن الشكر لهم على تضحياتهم، وحده الله تعالى هو الذي يعلم مرارة تُجَرُّعهم لِغُصَص فَقدِهم أبناءهم، ووحده تعالى هو الذي يجزيهم الجزاء الأوفى.
 
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
 
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:
captcha