إن سنة الوقف وتشیید الإمکانیات الترفیهیة للناس من السنن الإسلامیة المتجذرة التي تطمح إلی تقویم المجتمع الإسلامي حیث یقوم الأخیار من المسلمین ببناء المدارس والمساجد والبیوت ودور الریاضة والثقافة لإنتفاع عامة الناس.
وعکس ما یتصور البعض فإن سنة الوقف لیست حصراً في الإسلام إنما توجد في الکثیر من المجتمعات لأنها خطوة إنسانیة تهدف إلی خدمة المجتمع والناس.
وإن منطقة فوغراي (Fuggerei) في مدينة "آوغسبورغ الألمانیة تمثل سنة الوقف لدی المسیحیین حیث توجد بیوت تعود إلی أكثر من 500 سنة حیث تسمی بالسکن الإجتماعي.
وإسم المنطقة یعود إلی أسرة فوغر التي قامت بتأسیس المنطقة في 1516 للميلاد علی ید "یاکوب فوغر" Jakob Fugger)) وهو رائد أعمال وتاجر ألماني له باع طویل في التجارة.
وقام فوغر آنذاك ببناء بیوت لیسکن فیها المواطنون مجاناً حیث سمیت بالبیوت الإجتماعیة في آوغسبورغ.
وإن ثروة فوغر تقدر بـ 400 میلیار دولار في العام 1525 میلادي وهي الثروة التی کانت تمثل 2 بالمئة من کل أموال أوروبا آنذاك.
وکانت منطقة فوغراي تضم حتی 1523 للمیلاد 52 بیتاً فقط وتوسعت بعد ذلك حیث ضمت کنیسةً ومیداناً یتوسط المنطقة ولها أبواب تغلق کل مساء، الأمر الذي یجعلها أشبه بمدینة صغیرة في القرون الوسطی.
وتوسعت فوغراي في 1880 و1938 ولکن بیوتها بقیت تؤجر علی أهلها بأبخس الأثمان حیث لاتتجاوز قیمة إیجار البیت 88 سنتا وهو الرقم الثابت منذ 1521.
ویشترط علی المستأجر أن یدعو لأسرة فوغر لأنه لا یدفع إیجاراً وأن یشارك في الأعمال الخیریة کما علیه دفع فواتیر المیاه والکهرباء.
وبقیت شروط العیش في منطقة فوغراي کما کانت قبل 500 عام حیث کان یشترط علی السکان أن یکونوا من الکاثولیك الفقراء وأن لا تکون دیون في ذممهم.
ويجدر بالذكر أنّ مِن أشهرِ مَن أقامَ في مباني فُوغِراي هو والدُ جدِّ الموسيقارِ المشهورِ موزارت، وكانَ معماريًّا سكن في فُوغِراي مِن عامِ 1681 إلى عامِ 1694.
ويقوم المُجمّعُ على فكرة "ساعِدهُم ليُساعِدوا انفُسَهم"، إذ لم تُعطَ البيوتُ للمتسوّلين وشديدي الفَقرِ، بل كانَتْ أولويةُ السّكنِ في المقامِ الأوّلِ للحِرَفيينَ والعمّالِ وعائلاتِهم. كما وَجدَ العديدُ من الآخرينَ في هذا المُجمّعِ مكانًا للبدءِ بمشاريعِهِم الجديدةِ وعرضِ سلعِهِم المتنوّعةِ.
ولا يملكُ فُوغِراي ماضٍ مميزًا فقط، وإنّما يملكُ حاضرًا أكثرَ تميّزًا، فسكان هذا المُجمّعِ يدفعون إيجارًا سنويًّا لم يتغيّر منذ عام 1520. يعادلُ هذا الإيجارُ 88 سنتًا أوروبيًا، أي أقلَّ مِن دولارٍ أمريكيٍّ واحدٍ.