ایکنا

IQNA

عملية "المسجد الأقصى".. جرس إنذار

9:59 - July 15, 2017
رمز الخبر: 3465138
عواصم ـ إکنا: ما يمارسه الاحتلال الاسرائيلى بالأمس واليوم من مُخطط مدروس ومُمَنهج لتقسيم المسجد الأقصى وانتزاع شرعيته من المسلمين بل والسعي إلى هدمه بشكل غير مباشر، كل تلك الممارسات الممنهجة هي نذير شؤم على الفلسطينيين والمسلمين.
عملية
من اقتحام المسجد الأقصى إلى اعتقال المرابطين والمرابطات إلى تهويد القدس إلى أن نستيقظ يوماً دون أقصانا! فما يمارسه الاحتلال الاسرائيلى بالأمس واليوم من مُخطط مدروس ومُمَنهج لتقسيم المسجد الأقصى وانتزاع شرعيته من المسلمين بل والسعي إلى هدمه بشكل غير مباشر بإضعاف أساسياته عن طريق عمليات الحفر التي تتم أسفله بحثاً عن الهيكل المزعوم خاصتهم، كل تلك الممارسات الممنهجة هي نذير شؤم على الفلسطينيين والمسلمين عموماً حال استمرارها وعدم التصدي لها أو النظر لها بعين المسؤولية، فكان من الطبيعى أن تنتج عملية انتقامية كالتى حدثت أمس الجمعة في باحة المسجد الأقصى.

وعملية نوعية تلك التي نفذها الشبان الاستشهادين الثلاثة "محمد جبارين" في صحن المسجد الأقصى عند باب الأسباط، مثلما تعد المرة الأولى منذ عام 1967 التي تمنع فيها الصلاة في الحرم القدسى الشريف، دارت الاشتباكات في قلب الحرم المقدسى وأطلق الرصاص على جنود الاحتلال من المنطقة صفر ووقع الشبان الثلاثة منفذى العملية رمياً بالرصاص الاسرائيلى أيضاً في مسرح الحدث، تفاجأت اسرائيل وأدانت بشدة العملية الفدائية لأنها عملية استثنائية من حيث الزمان والمكان هو أمر طبيعى، لكن أن تعتبر أن عملية إطلاق النار على الحرم القدسى عملاً متطرفاً خطيراً حساساً ومؤثراً سياسياً ودولياً فهذا ما يثير الدهشة والاستغراب! ففى وقت ليس ببعيد عن الذاكرة قام الطبيب اليهودى باروخ جولد شتاين «مختل عقلياً» حسب ما وصفته قوات الأمن الاسرائيلى آنذاك! بتنفيذ مجزرة مروعة بدم بارد وأعصاب هادئة بحق المصلين الآمنين أثناء أدائهم صلاة الفجر في الحرم الابراهيمى في مدينة الخليل في فبراير عام 1994 راح ضحيتها 29 مصلياً وأصيب 150 آخرين قبل أن ينقض عليه مصلون آخرون ويقتلوه، عندما قرر الطبيب جولد شتاين بالتواطؤ مع عدد من المستوطنيين والجيش اطلاق النار على المصلين المسلمين في المسجد الابراهيمى في شهر رمضان الكريم!

ولقد كانت الخطة حينها مبيتة والجيش الاسرائيلى كان متورطاً في المجزرة، عندما انسحب جنود الحراسة وقل عددهم بشكل ملحوظ في دائرة الحرم وحين حاول المصلون الهرب باتجاه باب المسجد وجدوه مغلقاً! وعندما تعالت أصوات المصلين بالاستغاثة كان الجنود المتبقين يمنعون المواطنين الفلسطينيين من التوجه داخل الحرم لانقاذ المصلين بما لا يدع مجالاً للشك بتورط جيش الاحتلال والمستوطنيين في المجزرة، وقتها لم يخرج مسؤول اسرائيلى واحد ليصرح عن مدى خطورة العملية ولا الحديث عن تأثيرها السياسى وحساسيتها الدينية طالما أن المجزرة تخدم المخططات الاسرائيلية؟! وكل ما فعله الكيان الاسرائيلي آنذاك أنه شكل لجنة تقصى حقائق أطلق عليها «لجنة شمغار» ضمت عدداً من الشخصيات الصهيونية المتطرفة ومؤسسات إنسانية أخرى وقد خرجت اللجنة بعد عدة أشهر على تشكيلها بقرارات هزيلة تدين الضحية وبعد إغلاق مدينة الخليل لأكثر من ستة أشهر تم تقسيم الحرم الابراهيمى إلى قسمين يسيطر اليهود فيه على القسم الأكبر فيما يخصص جزء منه للمسلمين ويستخدم المستوطنون المسجد بكامله خلال الأعياد اليهودية ولا يسمح فيها برفع الأذان في الحرم أو دخول المصلين المسلمين.

وما قام به الشهداء الثلاثة في الحرم الابراهيمى هي عملية رد اعتبار على الاجراءات الاسرائيلية المتعنتة بحق الفلسطينيين وحريتهم في التنقل وممارسة العبادة دون قيود، وعملية القدس التي حدثت في باحة المسجد الأقصى هي بمثابة رسالة مفادها أن القدس ليست للبيع وأن الأقصى ليس ممراً للتطبيع كما أعلن خالد البطش القيادى في حركة الجهاد الاسلامى، عملية عائلة «جبارين» لم تكن بعيدة عن تداعيات المشهد السياسى المتدهور في الأراضى الفلسطينية وحالة اليأس والاحباط التي وصل إليها الجيل الصاعد من الشباب الفلسطينى في ظل غياب الأفق والرؤية السياسية في حل عادل للقضية الفلسطينية بما يحقق الثوابت والحقوق الفلسطينية العادلة للشعب الفلسطينى، هي جبر لخاطر الأمة المكسور بفعل الدعاة والعلماء الساكتون عن الحق ورسالة لمن أرادوا أن يوجهوا دفة القضية الفلسطينية بعيداً عن جوهر الصراع، فالقدس هي بوابة السماء وقبلة الأرض والاحتلال الاسرائيلى هو العدو الأول للعرب جميعاً، ومقاومة الاحتلال هي الشعلة المتقدة التي ترسخ لاستمرار القضية من التآكل والذوبان، خاصة وأن محور الصراع الفلسطينى ـ الاسرائيلى بدأ يتركز في دائرة ضيقة محدودة بددت الأمل في انجاز السلام أو الحصول على الحقوق والثوابت الفلسطينيةوكلما طال أمد الهدنة والهدوء على الجبهة الاسرائيلية وشعرت اسرائيل بالاستقرار الأمنى فإن الدائرة تزداد ضيقاً، والحقوق الفلسطينية الثابتة والراسخة في عمق التاريخ والجغرافيا في طريقها للضياع وبدأت مؤشرات التنازل عنها تدريجياً، فما يحدث على أرض الواقع هذه الأيام من تجاذبات وتحركات سياسية في الضفة الغربية وقطاع غزة الذي يسير في طريق الانفصال التام عن باقى أجزاء الوطن الفلسطينى، يدعو للقلق ويعمق من تفتيت الوحدة على الأراضي الفلسطينية ويضعف المشروع الوطنى الفلسطينى بأكمله.

إن قطاعاً كبيراً من الشباب الفلسطينى يشعر بالاحباط وينتابه اليأس لأنه معزل ومحروم من التواصل الطبيعى مع باقى أجزاء الوطن بفعل الاجراءات الأمنية والحواجز الاسرائيلية وسياسات الفصل العنصرى بين بلدات ومدن فلسطين، والأهم الاجراءات العقابية القمعية لمنع وصول المصلين إلى المسجد الأقصى التي أصبحت رحلة معاناة لكل مصل يرغب في الصلاة في المسجد الأقصى أو الوصول إليه وباتت أمنية لا ينالها سوى كبار السن ومن تجاوزوا سن الخمسين، فضلاً عن الاجراءات العقابية والعدائية التي تتخذها اسرائيل من حين لآخر بحق المقدسيين ومؤخراً بحق دور العبادة في القدس ومنها قانون حظر رفع الأذان في القدس، ناهيك عن تلاشى أي أمل للسلام مع اسرائيل في المدى القريب أو البعيد ونشر منفذوا عملية المسجد الأقصى صورة على الفيس بوك قبل ثلاث ساعات من تنفيذ العملية يظهر فيها اثنان منهم أمام المسجد الأقصى وهما يبتسمان وكتبوا معلقين :«الضحكة غداً ستكون مختلفة» وقبل ساعة من تنفيذ العملية نشر أحد منفذيها منشوراً كتب فيه «شكراً ربنا وبكفى» يعمق من فرضية حالة اليأس التي آل إليها وضع الشباب الفلسطينى وفرصهم في مستقبل وحياة أفضل وأن طريق المقاومة هو الطريق الوحيد والأمثل لتصحيح المسار ووقف نزيف التنازلات المتتالية للاحتلال دون مقابل يذكر.

المصدر: المصري اليوم
captcha